فصل: تفسير الآيات (1- 7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.سورة الروم:

.تفسير الآيات (1- 7):

{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)}
أدنى الأرض: بلاد الشام والعراق، لأنها أقرب البلاد إلى مكة. من بعد غَلَبِهِم: من بعد ما غلبوا. في بضع سنين: البضع ما بين الثلاثة إلى العشرة. ظاهر الحياة الدنيا: هو كل ما يشاهَد ويدرك بالحواس.
كانت الدولة الرومانية والدولة الفارسية أعظمَ دولِ العالم في عصر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكانت الحروبُ بينما دائمة. وفي عصر كسرى أبرويز نَشِطت الدولةُ الفارسية وانتصرتعلى الروم واستولت على جميع ممتلكاتهم في العراق وبلاد الشام ومصر وآسيا الصغرى. يومذاك تقلصت الامبراطورية الرومانية في عاصمتها، وسُدّت عليها جميع الطرق في حصار اقتصادي قاس، وعم القحط، وفشت الامراض الوبائية. وأخذ الفرس يستعدبون الرعايا الروم ويستبدّون بهم للقضاء على المسيحية، فدمروا الكنائس وأخذوا خشبة الصليب المقدس وأرسولها إلى المدائن. وأراقوا دماء ما يقرب من مائة الف من السكان المسيحيين. وأوشكت الامراطورية الرومانية على الانهيار.
في هذه الفترة كان المسلمون في مكّةَ في أصعبش أيامهم وأشدّ مِحنتهم، وفي حالةٍ من الضعف والضَنْك لا يمكن تصوُّرها. وقد فرح المشركون بنصر الفُرس لأنهم وثنيون مثلهم، وحزِن المسلمون باندحار الروم لأنهم أهلُ كتاب. وقال المشركون شامتين: لقد غلب إخوانُنا إخوانكم، وكذلك سوف نقضي عليكم إذا لم تتركوا دينكم الجديد هذا.
{الم غُلِبَتِ الروم في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ}.
يقول المؤرخ البريطاني (جيبون) في كتابه (تدهور الامبراطورية الرومانية وسقوطها) تعليقا على نبوءة القرآن هذه: في ذلك الوقت حين تنبأ القرآن بهذا لم تكن آية نبوءة ابعدَ منها وقوعا، لأن السنين الاثنتي عشرة الأولى من حكومة هِرَقل كانت تؤذِن بانتهاء الامبراطورية الرومانية، المجلد الخامس صفحة 74.
فلما سمع أبو بكر رضي الله عنه هذه الآيات خرج إلى المشركين فقال لهم: أفرِحتم بظهور إخوانكم الفرس، فواللهِ لتظهرنَّ الرومُ على فارس كما أخبرنا بذلك نبيُّنا صلى الله عليه وسلم. فقام اليه أُبيّ بن خلف فقال له: كذبتَ. فقال أبو بكر: أنت كذبتَ يا عدو الله. اجعل بيننا أجَلاً أراهنك على عشر قلائص منّي وعشرٍ منك، فان ظهرت الرومُ على فارس ربحتُ انا الرهان، وان ظهرت فارس ربحتَ أنت الرهان. ثم جاء إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام فأخبره، فقال الرسول الكريم: زايدْه في الرِهان ومادَّه في الأجلِ.
فخرج أبو بكر، فلقي أُبي بن خلف فقال له: لعلّك ندمتَ؟ فقال: لا. فقال أبو بكر: تعالى أزايدْك في الرهان، وأمادّك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين قال: قد فعلت. وقد قتل أُبي في معركة أُحُد. ولما ظهرت الرومُ على الفرس واستعادوا بلادهم وصدقت نبوءة القرآن، أخذ أبو بكر مائةَ ناقة من ورثةِ أُبيّ وتصدّق بهاز وهذا كان قبل تحريم الميسر.
وهكذا صدقت نبوءةُ القرآن الكريم عن غلبة الروم في أقلَّ من عشر سنين، وفي هذا اكبرُ دليلس على أن القرآن كتابُ الله، وان هذه النبوءة جاءت من لدن مهيمنٍ على كل الوسائيل والأحوال، ومَن بيده قلوبُ الناس وأقدارُهم.
{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون بِنَصْرِ الله}
فقد فرح المؤمنون بنصرهم في معركة بدر، وجاءتهم الأخبارُ في نفسِ التاريخ بنصرِ الروم على الفُرس، فكان ذلك فرحاً عظيماً بنصرهم على قريش، بوصدق نبوءةِ القرآن الكريم.
{ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ}
{وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ}
ذلك النصرُ وعدٌ من الله للمؤمنين فلابد من تحققه في واقع الحياة، فالله تعالى لا يُخلفُ وعده، ولكن اكثر الناس لا يعلمون، ولو بدا في الظاهر انهم يعرفون الكثير من امور الدنيا.
{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحياة الدنيا}
ثم لا يتجاوزون هذا الظاهرَ ولا يرون ببصيرتهم ما وراءه. وظاهرُ الحياة الدنيا محدودٌ صغير، مهام بدا للناس واسعاً شاملا. فما هذه الأرض بل هذا النظام الشمسي بأجمعه- الا ذرةً في هذا الكون الكبير الذي لا نعرف عنه شيئا....
{وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غَافِلُونَ}
فالآخرة حياةٌ ثانية تختلف عن كل ما نرى وما نعلم، وهي صفحة من صفحات الوجود الكثيرة، وصاحبُ الحظ من تزوّد لها، وعمل لها الأعمال الصالحة، {فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى}.

.تفسير الآيات (8- 16):

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)}
أثاروا الأرض: حرثوها وأصلحوها. عمروها: بالبناء والعمران. السَّوأى: الحالة السيئة، وهي مؤنث الاسوأ. يُبلِسُ المجرمون. ييأس المجرمون. في روضة: الروضة هي الأرض ذات النبات والماء المعني في رضوان الله. يحبُرون: يسرون. محضَرون: مدخلون فيه.
لمّا أنكَرَ المشركون الإله، والبعث كما قال: {وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غَافِلُونَ}، أردف هذا بأن الأدلة متظاهرةٌ ومحسوسة في الأنفس والآفاق على وجوده وتفرده بخلْقها، وأنه لا إله غيره ولا رب سوا. وأن الأنفسَ لم تُخلق سدى ولا باطلا، بل بالحق، وأنها مؤجَّلة إلى اجل محدودٍ هو يوم القيامة. ثم امرهم بالسير في اقطار الأرض ليعلموا حالَ المكذبين من الأمم قبلهم، وقد كاناو أشد منهم قوة، وزرعوا الأرض وعمروا البلاد اكثر من قريش- لكنّهم كذبّوا رسلهم فأهلكهم الله، ثم كانت نهايتُهم. فلتأخذ قريش عبرة من ذلك.

.قراءات:

قرأ ابن عامر والكوفيون: {ثم كان عاقبةَ} بالنصب، والباقون: {عاقبةُ} بالضم.
{الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ...} الآيات.
يبين الله ان هناك حياةً ثانية فيها الحسابُ والجزاء، وان الله قادر على اعادة هذا الخلق يوم القيامة كما بدأ إنشاءه. ثم يبيّن ما يكون حين الرجوع إليه من إبلاس المجرمين ويأسِهم من الدفاع عن انفسهم، وان شركاءهم لا ينفعونهم ولا يستطيعون الدفاع عنهم، بل يكفرون بهم. يومئذٍ ينقسم الناس إلى فريقين: فريقٍ في الجنة عند ربهم في عيشى راضية، وفريقٍ في السعير وبئس المصير.

.تفسير الآيات (17- 25):

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)}
تمسون: تدخلون في وقت المساء. تُصبحون: تدخلون في وقت الصباح. عشياً: من صلاة المغرب إلى العتمة. وحين تُظهرون: تدخلون في وقت الظهيرة. من أنفسِكم: من جنسكم. لتسكنوا اليها: لتأنسوا بها وتطمئنوا اليها.
سبِّحوا اللهَ أيها الناس في وقت المساء، وفي الصباح، لتَجَلِّي عظمتِه في هذين الوقتين اكثر من كل وقت، واحمَدوه أثنوا عيه بما هو أهله في وقت الظهر وفي الليل. وتدل هذه الاوقات على اوقات الصلوات الخمس كام روي عن ابن عباس: {حين تُمسون} صلاة المغرب والعشاء، و{تصبِحون} صلاة الفجر، {وعشياً} صلاة العصر. {وحين تظهِرون} صلاة الظهر.
انه هو الذي يخلق الحيَّ من الجسم الميت، ويخلق الميتَ من الحيّ، ويحيي الأرضَ بالمطر بعد موتها، {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} ومثلُ ما تقدَّمَ من إخراج الحيّ من الميت وإحياء الأرض بعد موتها كذلك يُخرجكم الله من قبوركم إلى الحاسب والجزاء.
ومن آياته انه خلقكم من ترابٍ ميت لا حراك به، ثم إذا انتم بشرٌ أحياء تنتشرون في الأرض وتعملون. ومن آياته أنه خلق لكم من جنسِكم أزواجاً لتأنسوا بها، وجعل بينكم مودّة ورحمة. ومن آياته الكبرى خلثُ السموات والأرض من العدَم، على ما فيها من إبداع وجمال، وعَظَمةٍ وجلالٍ، واختلافُ ألسِنتكم والوانكم وما يتبع ذلك من تخالفكم في طبائعكم وعاداتكم. ومن آياته أنه هيّأ لكم أسبابَ الراحة بمنامكم، ويسّر لكم طلب الرزِق ليلاً ونهارا من فضله الواسع. ومن آياته انه يريكم البرقَ من خلال السحاب، تخويفاً من صواعقه، وطمعاً في المطر، وينزّل لكم من السماء ماء فيحيي به الأرضَ بعد يبسها.
كل هذه الآيات لقوم يتفكرون، ويسمعون ويعقلون ويعلمون، فالله تعالى ينير العقل والعلم والفكر للوصول إلى الحق. أما الجاهلون الغافلون الجاحدون فإنهم من كل ذلك مبعَدون.
ومن الدلائل على كمال قدرته تعالى وسعة رحمته ان تقوم السماءُ بأمره على ما ترون بأعينكم من صَنعةٍ محكمة، وتدبير دقيق منتظم. ثم إذا دعاكم للبعث تخرجون من القبور مسرعين مستجيبين لدعائه.

.قراءات:

قرأ حفص: {للعالِمين} بكسر اللام. والباقون: {للعالَمين} بفتح اللام.

.تفسير الآيات (26- 29):

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)}
قانتون: طائفون منقادون. المثل الأعلى: الوصف الارفع، الصفة العليا لا يشاركه فيها احد. مما ملكت أيمانكم: من العبيد.
ولله كلُّ من في السموات والارض من الأحياء والجمادات كلٌّ له خاضعٌ منقاد. وهو الذي يبدأ الخلق على غير مثال، ثم يعيده بعد الموت، والاعادةُ أهونُ عليه من البدء. وله الوصف الأرفع لا يشاركه احد فيه.
{وَهُوَ العزيز الحكيم} لا يغالَب ولا يغلَب، حكيم في تدبيره وتصريف شئونه فيما اراد.
لقد بين لكم الله مثلا منتزعا من أنفسكم: هل لكم من عبيدِكم شركاءَ في أموالكم فأنتم وهم سواء في التصرف فيها، تخافون منهم الاستبدادَ في التصرف فيها كما يخاف بعضكم بعضا؟ إذا كان أحدكم يأنف ان يساويه عبيدُه في التصرف بأمواله، فكيف تجعلون لله أنداداً من خلقه؟ {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
ثم بيّن الله ان المشركين إنما عبدوا غيره سَفَهاً من أنفسهم وجهلاً بغير علم فقال: {بَلِ اتبع الذين ظلموا أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ الله}؟ لا أحد....
{وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} ليس لهم من يشفع لهم ويدفع عنهم عذابَهُ يومَ القيامة.

.تفسير الآيات (30- 32):

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}
أقمْ وجهك للدين: أَقبل عليه وأخلص له. حنيفا: مائلا من الشر إلى الخير، بعيدا عن الضلال. فطرةَ الله: خلقة الله. القيم: المستقيم. منيبين: راجعين اليه بالتوبة، واخلاص العمل. فرّقوا دينهم: اختلفوا فيما يعبدونه. شيعا: فرقا مختلفة.
وتوجّه يا محمد إلى هذا الدين المستقيم، بعيداً عن العقائد الزائفة، فهو دينُ الفطرة التي خلق الله الناس عليها، وهي الاسلام.
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ}
لذا يحسبون ان الدِين أمرٌ معقّد يحتاج إلى وسطاء بين الله وعباده ليفسروه لهم ويهدوهم اليه. أما هذا الدين فهو يصل الإنسان بالله دون واسطة.
ولما كان الخطاب للرسول الكريم وأصحابه رجع إلى صيغة الجمع فقال: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} أي: أقيموا وجوهكم للدّين تائبين إلى الله، واتقوه، واقيموا الصلاة، ولا تكونوا من المشركين الذي اختلفوا في دينِهم وكانوا فِرقاً واحزبا {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي وابن عامر: {من الذين فارقوا} بالالف. والباقون: {فرّقوا} بتشديد الراء.